كتب جمال كنج أن فشل محاولة اغتيال الوفد الفلسطيني المفاوض في الدوحة الأسبوع الماضي أثار تساؤلات عميقة تتجاوز الحادث نفسه. تتجسد الأزمة في ثلاث قضايا مترابطة: تصاعد استخدام الذكاء الاصطناعي في استهداف الأشخاص، تعطل أو تقاعس منظومة الدفاع الجوي الأميركية، وموقع قطر الحساس كدولة تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية وتحتضن في الوقت ذاته مفاوضات وقف إطلاق النار.

أوضح موقع ميدل إيست مونيتور أن الغارة على الدوحة لم تحدث بمعزل عن سياقها. فسماء قطر تخضع لرقابة قاعدة العديد الجوية، وهي ليست موقعاً ثانوياً بل المقر الأمامي للقيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي تدير العمليات العسكرية في عموم المنطقة. من الناحية النظرية، لا يُفترض أن يمر أي جسم عبر الأجواء القطرية دون أن ترصده منظومة الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل (IAMD) المرتبطة مباشرة بشبكة القيادة والسيطرة الأميركية والممولة أساساً من دول مجلس التعاون الخليجي.

اخترقت الطائرات الإسرائيلية، وعددها أكثر من اثنتي عشرة طائرة، هذه الأجواء من دون أن يعترضها النظام الدفاعي. لم يُفعَّل الدرع الجوي، سواء بقرار متعمد أو بفشل كارثي، ما أثار سؤالين خطيرين: هل قررت واشنطن غض الطرف عن الغارة الإسرائيلية، أم أن المنظومة الأضخم في المنطقة عجزت فعلاً عن كشفها؟

يشير الاحتمال الأول إلى أن القيادة الأميركية كانت على علم بالغارة وسمحت بمرورها، وهو قرار لا يمكن أن يتخذه قادة محليون في القاعدة وحدهم، بل يتطلب تفويضاً من أعلى مستويات السلطة في واشنطن. في هذه الحالة، ضحّت الإدارة الأميركية بسيادة قطر وأرواح المفاوضين الفلسطينيين.

أما الاحتمال الثاني فيكشف خطراً أكبر: فشل المنظومة في رصد الطائرات من الأساس. إذا صح ذلك، فإنه يقوّض المبرر الرئيس لوجود القاعدة في قطر ويطعن في مصداقية الضمانات الأميركية لحماية حلفائها الإقليميين. كيف يعجز مركز القيادة الأضخم في الشرق الأوسط عن اكتشاف هجوم يقع على مقربة منه؟

بالنسبة إلى قطر، اتضحت الرسالة سريعاً: استضافة أكثر من عشرة آلاف جندي أميركي وإنفاق مليارات على القاعدة لا يعنيان حماية الأجواء. بل قد تتحول القاعدة إلى بوابة تُفتح حسب أولوية مصالح واشنطن وحلفائها، ولو كان ذلك على حساب الدولة المضيفة نفسها.

طرح المقال سؤالاً جوهرياً: إذا كانت قاعدة العديد ومنظومة IAMD لا تحمي سماء الدوحة، فمن الذي تحميه إذاً؟ الجواب يتضح عند النظر إلى سجل استخدامها. فالنظام فُعِّل مرتين فقط، وكلتاهما لحماية إسرائيل، الدولة غير المنضوية أصلاً في المنظومة. الأولى جرت في أبريل 2024 لاعتراض صواريخ إيرانية انتقاماً من تل أبيب، والثانية لصد هجوم إيراني على قاعدة العديد بعد الغارات الأميركية الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية.

أظهر الهجوم الأخير أن المظلة الأمنية الأميركية فوق قطر مثقوبة عمداً. ومع ذلك اكتفى الرئيس ترامب بتصريحات جوفاء قال فيها إن مثل هذا الهجوم "لن يتكرر أبداً"، متجاهلاً السؤال الأهم: لماذا صمتت القاعدة الأميركية بينما قصفت الطائرات الإسرائيلية منطقة سكنية في العاصمة القطرية؟

في 11 سبتمبر 2025، كشفت إدارة ترامب موقفها بشكل أوضح في نيويورك، حيث منعت مجلس الأمن من التصويت على قرار يدين الغارة. وبدلاً من قرار ملزم، أصدر المجلس بياناً صحفياً مقتضباً لا يحمل أي قوة قانونية. وروّجت الدوحة لهذا البيان باعتباره "انتصاراً دبلوماسياً"، في حين أنه مجرد مخرج يحمي واشنطن من الحرج ويخفي دعمها الضمني للهجوم.

يشرح كنج أن قبول قطر ببيان صحفي بدلاً من قرار رسمي أتاح لترامب تفادي إظهار موقفه الحقيقي، وأراحه من استخدام الفيتو الذي كان سيكشف الانحياز السافر لإسرائيل. في المقابل، حصلت الدوحة على إنجاز وهمي لا يغير شيئاً في موازين القوة.

أما على المستوى الإقليمي، فقد وجّهت الغارة الإسرائيلية إنذاراً صارخاً لبقية الدول: ما جدوى التحالف العسكري مع واشنطن إذا كانت الأخيرة تقرر أي تهديد تواجهه وأي تهديد تتجاهله؟ الواقع يوضح أن واشنطن قدّمت الأولوية لإسرائيل، التي تلقت دعماً يفوق 17.9 مليار دولار في عامين فقط، بينما أنفقت قطر أكثر من 10 مليارات دولار على القاعدة الأميركية بلا ضمانات حقيقية.

يبقى السؤال الآن: هل ستتمكن القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة من مواجهة هذه الحقيقة الجديدة، أم ستتحول إلى نسخة ثانية من مسرحية مجلس الأمن ببيانات شكلية بلا أثر، تمنح ترامب فرصة جديدة لمضاعفة خذلان حلفائه؟

https://www.middleeastmonitor.com/20250915-the-doha-assassination-plot-emergency-summit-and-trumps-double-cross/